حكاية البنت والأدمع والطريق
كنهارها يكون الليل أسودا.. أسودا جدا الليل يستمد سواده من حظها الأسود حتى ان حظها الأسود لايفارقها وانما يعلو ويعلو ليمتزج بالسماء ويتسع بمساحتها في أطراد ويتموج احيانا ويسيل قارا لزجا يتساقط عليها , تستحيل القطع المتساقطة أزرع سوداء باطنها وظاهرها سيان ، يخنقانها .. تهتف.. تستهيز ..تبكي ثم تسيل الأدمع لاكماتسيل الدموع عادة وانما تتسامى محتفظة بشكلها السيولي الى أعلى تغطي أولا عينيها المرخيتين..تمتلأ تفيض..تفيض ينعدم مايعرف باليابس وبعد أن يبلغ السيل عنان السماء،فالدموع التي فاضت من المآقي الجافة عادت وأمتطت صهوات السديم ،دموع أوضحت الرؤيا ولم تغشها فصنعت ببعض الوميض أشكالا مضيئة..خماسية..سباعية..مليونية الأضلاع شكل أحدها الجبار وهراوته وشكل آخر دب قطبي مد زيله معقوفا الى السماء كما يمد الأطفال الوسطى من أصابعهم حين يستفزون أحدهم ويبحثون عن واقعة عراك.جالت عيناها بين الأشكال فتشكل بريق آخر ..حسناء تمسك في مرآتها منسدل شعرها حتى يلامس عجيزتيها، وترقص في البهو المحفوف بالزنابق والياسمين ، تطأ بقدميها الحافيتين على العشب المبتل..تقفز من هنا وهناك لاتدري ماذا تفعل ؟ لكنها تعبر عن فرح كبير يتسرب الى شرايينها ،حتى الناس حولها يبتسمون وهم يرون البهجة تنفجر هكذا فيها فيهزون رؤسهم ويذهبون فلم يكن سمة نوازع لغير المودة والحياة جديرة بالممارسة .أبوها يعود محملا بالخبز الطازج ، وأمها تستقبله في مدخل الراكوبة بأبتسامة بعبق رحيق الياسمين تهتف أمها: أبوك لو وضع يده على الجرح لطاب والتأم..أخذت أحلامها تتورد حتى صارت نسرينا خالصا، وحينما أعلن الصباح عن نفسه بذالك الضياء المشرق ودخل على القوم الذين يغدون ويرحون قدامها يمحوهم ويتلاشون ..صار الفجر عندها شوقا طارئا فتقلبت فيما يعرف بفراشها المتكون من سرير خشبي قديم وخرق بالية تقلبت استجداء النوم ليأخذها من واقعها المشؤوم .سخرت من الشمس .. أخترقت أشعتها ثقوب السقف متناثرة على وجهها وحين فتحت عينيها تعاقبت كل الألوان أمامها ثم أختفت . قامت وفي حلقها مرارة أحماض الأشياء التي تجرعت كميات منها البارحة ارضاء لزبون جلف .. بصقت وذهبت الى الحمام ..عادت لتخرج بعد أن تناولت غطاء رأسها ثم توجهت صوب بقعة تربطها بها علاقة عشر سنوات من الأسى والفاقة ..الأزقة الخانقة والسوائل الآسنة التي تعبر الطريق مع المارة ..لايتأثرون بها ولا تتأثر .. كنهر استوائي ملئ بالمخلفات الصناعية ..الذباب يدعم الأصوات الصادرة من الأطفال الذين يلعبون علىجانب الطريق فلاتحس بنشاز..مرت عبركوم الأطفال وتجاوزتهم سمعت همسا عنها وكلاما بذيئا بكت في داخلها ومضت .. على بعد عشرين متر منهم انعطفت نحو اليسار ثم اليمين حتى أدركت زقاقا بالكاد تستطيع السير فيه مالم تمسك بيديك جانبى الجدار وتترك له صلاحية توصيلك سالما نحو مبتغاك الذي سيكون حتما بعد انفراج الطريق فجأة اذ لاباب طوال الزقاق الذي وصلته فجأة مثلك تماما . وبدأ الباب الصغير الذي طلى بدهان جديد مؤخرا فالوقت موسم اجازات مدارس الدول العربية …أكتسحها شعور بالحنق فصاحبة الدار تستهلكها وتجد الفتات مقابل ذلك ..دفعت الباب بقوة حتى اصطدم بأناء يغلي فيه ماء الصابون المعد لغسيل تل الملابس التي تبدوا في الطرف البعيد من صحن الدار ، سال الصابون في شكل خريطة عنقودية الشكل رأسها متضخم .. دلفت الى الفناء أزاحت الحبال المعدة لنشر الغسيل عليها ثم حيت المرأة التي جلست بانكسار بجانب تل الملابس وسألتها ربما عن حالها أجابت بأن أنفاسها مازالت تعلو وتهبط وحمدت الله. توجهت نحو الغرفة التي تحتل الصدارة من بين الأكواخ المتناثرة بفناء الدار ، دفعت باب الغرفة برفق ثم دخلت ووجدت ربت الدار البدينة تضحك بخلاعة مع أحد الرجال حتى اهتزت الأشياء التي تطوق عنقها ويديها .. سلمت عليها بصوت خافت ودون أن ترد أحرجت البدينة أوراق رثة بها أثار زيوت وبقع ذات فئات مختلفة لم تتعدى أكبرهن قيمة الخمسين برا . وقالت لها : غدا في السادسة حظك اليوم حسن جدا فهذا المجنون يريد أن يخمد آخر أنفاس شبابه وأنفجرت في ضحك ممقوت .سحبت نفسها من جو الغرف الصاخب وتوجهت نحو المرأة التي كانت تبث شجونها لتل الملابس .. نقدتها بعض ماعندها وخرجت .. كالعادة لم يكن في نيتها أن تعود لكن عندما فرق ضوء الصباح سواد ليلها الفائت كانت في نفس الطريق عند تمام الخامسة وأربعون دقيقة .